ترجمة الفقيه الأديب: أحمد بن عمّار الجزائريّ

 ترجمته



من الأدباء الجزائريّين الذين برعوا في ميدان النّثر، ولد حوالي 1119 وعاش إلى ما بعد 1205[1]، وقد تثقّف بالجزائر واستمدّ العلم والجاه من أسرته أيضا، ومن المرجّح أن يكون أصله من مستغانم أو تلمسان، ومن عائلة ذات أصل أندلسيّ، ولعلّ والده هو أحد شيوخ "ابن المفتي" الذين ذكرهم في "قسم العلماء" من "تقييداته"، وهم محمّد بن نيقرو[2]، عمّار المستغانميّ، ومصطفى العنّابيّ[3]، فيكون الثّاني هو والد المترجم – على الأرجح – ذلك أنّ ابن المفتي يذكره بالتّلمسانيّ المستغانميّ، يقول في ترجمته: «فقيه، بيانيّ، أصوليّ، نحويّ أصوليّ[4] متكلّم منطقيّ، فرائضيّ، صالح، جاهل بأحوال الدّنيا، بعيد عن أمورها، وكان قد أسبغ بركاته الرّبّانيّة وصلاحه على محمّد باشا وعبدي باشا، وكانا يعظّمانه»[5]. 

ورغم كلّ تلك الأوصاف التي أسبغها ابن المفتي على شيخه المذكور، فإنّه لا يغفل عن ذكر صفة من صفاته المتعلّقة بشخصيّته كخطيب، وهي في قوله: «كان عاجزاً عن الخطبة، لا صوت له عندها؛ ويكتسيه الخجل، إلى أن يعرق عرقاً، مع أنّه في تقريره للعلم جهيرٌ بالكلام معبّر ذو همّةٍ ونفسٍ عالية، رضي الله عنه»[6] ، كما أنّ خاله اسمه محمّد بن الهادي، المتوفّي سنة 1108 هـ – 1697.[7]

وقد ذكره ابن حمادوش في رحلته، وذلك أثناء حديثه عن طريقة سرد البخاري في الجزائر، حيث يقوم المملي، وهو المسمع الذي يقرأ النّصّ بصوت عالٍ حتّى يُسمِعَ الحاضرين، وقد كان منهم الفصيح وغير الفصيح، وما يهمّنا هنا أنّ محمّداً المذكور كان أحد هؤلاء، يقول ابن حمادوش: «وفي يوم السّبت ثاني عشرة، موافق ثامن شتنبر حضرت سرده صباحاً. فقرأ ممليه سيدي محمّد ابن سيدي الهادي فضائل الصّحابة[8]، حتّى وقف على تزويج النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم - خديجة»[9]. 

كما يشير "سعد الله" إلى أن أفراداً من عائلة ابن عمّار يكونون قد تولّوا المناصب الرّسميّة في مدينة الجزائر، وذكر من هؤلاء أحمد زرّوق بن عمّار الذي تولّى الفتوى سنة 1028، كما جاء في تقييدات ابن المفتي، وذلك في قوله: «وتناوب سيدي سعيد مع سيدي أحمد زرّوق، وتكرّر عزل وتولية كلاهما[10] مراراً وتكراراً – حسبما أخبرني به شيخي سيدي محمّد بن أحمد بن موسى النّيقرو، هكذا عرف، الأندلسيّ الأصل، ومضى الأمر هكذا حتّى مات سيدي أحمد زرّوق بن عمّار»[11].

وجاء ذكر ابن عمّار في رحلة أبي راس النّاصر المعسكريّ، صاحب التّآليف المتنوّعة، المسمّاة: "فتح الإله ومنّته" حيث وصفه هذا الأخير بقوله:«شيخنا الذي ارتدى بالنّزاهة يافعاً وكهلاً، وكان للتّلقيب بــــ"شيخ الإسلام " أهلاً. أمجد النّظّار، السّيّد أحمد بن عمّار، عالم الجزائر، أمّنها الله من سوء الدّوائر! كان غايةً في الحديث والأدب، ينسل إليه من كل حدب، تولّى بها زمناً الخطابة والفتوى والإمامة، ثمّ عزفت له بها الإقامة، فرحل للحرمين الشّريفين، ذوي ظلال الشّجرتين الوريفتين، بعد ما أخرج بالجزائر الأساتيذ من التّلاميذ والفقهاء النّحارير، والعلماء الجماهير، علا بعلمه واعتزّ، وماثل في الأدب ابن الخطيب وابن المعتزّ»[12].

وما يهمّنا هنا هو حياة المترجم له، فقد تولى أحمد بن عمّار الفتوى على المذهب المالكي عام 1180، وبقي إلى غاية 1184، وقد كان معاصراً للورثيلاني، وأدّى معه فريضة الحج عام 1166، وقد أثنى عليه هذا الأخير بقوله: «الفاضل بالاتّفاق والعلّامة على الإطلاق»[13]، وبعد العودة إلى الجزائر لم يطب له المقام، فارتحل إلى تونس عام 1195، "بقصد الاستيطان بها"، وهناك على ما يبدو قد أجاز تلميذه ابراهيم السّيّالة[14]، كما أنّ له تقريظاً على رسالة لحمّودة بن عبد العزيز التّونسي[15]، وقد أثنى عليه الحفناويّ بقوله: «هو العلّامة المحقّق والفهّامة المدقّق أبو العبّاس سيدي أحمد بن عمّار مفتي مالكيّة الجزائر – رحمه الله تعالى ورضي عنه - كان من نوابغ عصره وأفاضل مصره، وهبه الله حظًّا من سيلان القلم وطلاقة اللّسان. لحق به شأو لسان الدّين والفتح بن خاقان. وبديهة في البيان والمعاني؛ زاحم بها الحريريّ والهمذانيّ، وذكر في المشارق والمغارب؛ أغنى أهله عن الإطراء وتلفيق المناقب، وكفى به تعريفاً ما طبعته الحكومة من كتابه: "نحلة اللّبيب بأخبار الرّحلة إلى الحبيب"»[16]

الهوامش والإحالات



[1] - ليس هناك تاريخ معروف لوفاة ابن عمار لأن حياته بعد هذا التاريخ يكتنفها الغموض، وقد اعتمد الدكتور سعد الله بالتاريخ المذكور على إجازة ابن عمار لمحمد خليل المرادي صاحب "سلك الدرر".

[2] - محمّد بن إبراهيم بن أحمد بن موسى النّيقرو، الأندلسيّ الأصل، الجزائريّ الولادة والمنشأ والقبر، تولّى لثلاثة أيّام بعد وفاة المفتي محمّد بن أحمد بن المبارك، في 27 ذي القعدة 1150ه، - 1737م، كانت له خصومة مع محمّد بن هدى الآتي ذكره (خال المترجم)، ينظر: ابن المفتي، تقييدات، ص: 110، ونور الدّين عبد القادر، صفحات، ص: 286.

[3] - مصطفى بن رمضان العنّابيّ، من أصل تركيّ، ولد بمدينة عنّابة، رحل إلى الجزائر، تولّى بها القضاء الحنفيّ، كما تلقّى إجازات علميّة، منها إجازة شيخه محمّد بن شقرون بن أحمد المقّري، عام 1087هـ - 1676م، كما أجازه محمّد الطّيّب بن عبد القادر الفاسي عام 1103هـ - 1691م، من تلاميذه: مصطفى برناز التّونسيّ، توفّي العنّابيّ بمدينة الجزائر سنة 1130هـ - 1717م، من آثاره، أرجوزة في الفقه الحنفي (الفرائض)، وكتاب: الرّوض البهيج في أحكام العزوبيّة والتّزويج، ينظر ترجمته في: ابن المفتي: تقييدات، ص: 16، نويهض، معجم أعلام الجزائر، ص: 245. وكتاب: رائد التّجديد الإسلامي، محمّد ابن العنّابي، ص: 23.

[4] - لعلّ الأولى تشير إلى أصول الفقه، والثّانية إلى أصول النّحو.

[5] - ابن المفتي، حسن بن رجب شاوش، تقييدات ابن المفتي، ص: 108. ونور الدّين عبد القادر، صفحات، ص: 291.

[6] - تقييدات ابن المفتي، ص: 109.

[7] - نور الدّين، عبد القادر،  صفحات، ص: 200.

[8] - كتاب فضائل أصحاب النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم (30 باباً)، أمّا باب تزويج النبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – خديجة – رضي الله عنها ففي كتاب مناقب الأنصار من الجامع الصّحيح للبخاري، دار طوق النّجاة، ط1، 1422 هـ ، ج5، ص: 38.

[9] - ابن حمادوش، لسان المقال، ص: 122.

[10] - كذا والصّواب [كليهما].

[11] - ابن المفتي، تقييدات، ص: 96.

[12] - ابو راس الجزائري، محمد، فتح الإله ومنته في التحدث بفضل ربي ونعمته، تح: محمد بن عبد الكريم، المؤسسة الوطنية للكتاب، دط، د.ت، ص:48.

[13] - الورثيلاني، الحسين بن محمد، الرحلة، ص:286.

[14] - إبراهيم بن عبد الله السّيّالة الصّفاقسي، كان حيًّا (1204 هـ - 1790 م)، ترجمته في: كحالة، معجم المؤلّفين، 1/40. تراجم المؤلّفين التّونسيّين، 3/95، وقد جمع ثبت شيخه ابن عمّار الذي سمّاه " منتخب الأسانيد في وصل المصنّفات والأجزاء والمسانيد، سنة 1204 هـ (فهرس الفهارس: 121).

[15] - مقدمة محمد ماضور للكتاب الباشي، لصاحبه حمودة بن محمد بن عبد العزيز، الجزء الأول قسم السيرة، الدار التونسية للنشر، 1970، : ص:19. أما التقريظ بنصه الكامل فموجود في كتاب سعد الله، أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر، عالم المعرفة الجزائر، 2005، ج5، ص:210. وفي مجلّة مجمع اللّغة العربيّة الأردنيّ، ع: 65، ديسمبر 2003، بينما ترجمة الوزير الكاتب حمودة بن عبد العزيز (ت1787/88) فنجدها في كتاب ابن أبي الضياف، أحمد: إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان، الدار العربية للكتاب، ج7، ص:22.

[16] - الحفناوي، أبو القاسم، تعريف الخلف برجال السّلف، مطبعة بيير فونتانة الشّرقيّة، الجزائر، 1906، 2 /83. وفي صفحات من تاريخ مدينة الجزائر ترجمة قريبة لفطاً ومعنى، ص: 211.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أشعار جزائرية للفقيه الشّاعر ابن عمّار الجزائريّ - أقسامها ومضمونها -